العدد التاسع: الطريق الجديد .. لأن الحقيقة هي أول الطريق نحو السلام

كلمة افتتاحية العدد: نداء إنساني لتمديد نافذة العدالة أمام ضحايا السودان

في ظل النزاع المسلح المستمر في السودان، حيث تعصف الحرب بقلب الوطن وتدفع الملايين إلى التشرد والمعاناة، يعيش الناجون والضحايا مأساة لا توصف. ومع اقتراب الموعد النهائي الذي حددته بعثة تقصي الحقائق الدولية المستقلة لتلقي الإفادات حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والمقرر في 30 يونيو 2025، يطفو قلق عميق يملأ صدورنا، وينذر بخطر فقدان فرصة ذهبية للعدالة والمحاسبة.

إن هذا الموعد، الذي يُفترض به أن يكون نقطة انطلاق لتوثيق الحقائق، يتحول اليوم إلى عقبة قاسية في وجه آلاف السودانيين الذين فقدوا كل شيء: وطنهم، أمانهم، أسرهم، وكرامتهم. في هذا الواقع المعقد، حيث لا تزال الحرب تفرض فوضى وانعدام أمن مطلق، يواجه الضحايا والعائلات الحزينة صعوبات جمة في الوصول إلى آليات التوثيق بسبب الخوف، النزوح، والافتقار إلى الوسائل التقنية، فضلًا عن جراح الصدمات النفسية العميقة التي لا تندمل.

كما أن هناك أعدادًا كبيرة من السودانيين في الداخل والخارج لم تسمع من قبل عن قنوات التواصل مع بعثة تقصي الحقائق، وهي لأول مرة تُتاح لهم معرفة وجود هذه الآلية الدولية. هذا الانقطاع في المعلومات والتواصل ليس مجرد خلل تقني أو إداري، بل هو انعكاس لانهيار مؤسسات الدولة وسقوط منظومة العدالة، ما يؤكد الحاجة الماسة إلى تمديد الفترة الزمنية لتقديم الإفادات، كي تُتاح الفرصة لمن لم يُسمع صوتهم بعد، أو لم يُمنحوا بعد فرصة لتوثيق معاناتهم.

وتزداد الحاجة إلى هذا التمديد الحيوي مع استمرار أطراف النزاع في ارتكاب جرائم القتل، والنهب المسلح، والاعتداء على حقوق الإنسان، إضافة إلى الحصار الذي يُفرض على وصول المساعدات الإنسانية الحيوية، مما يفاقم معاناة المدنيين الأبرياء الذين يعيشون بين مطرقة العنف وسندان الإهمال.

إن الأسلحة الفتاكة لا تزال تتدفق عبر الحدود، تتكدس في مناطق الصراع التي تعج بالفوضى، وسط غياب تام لسلطات القانون والمؤسسات القضائية. هذه الحقيقة المظلمة تعزز من دائرة العنف وتعميق الجراح، وترسخ حالة الإفلات من العقاب التي تغذي استمرار الجرائم والانتهاكات.

لذا، ندعو المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى تحمل مسؤولياتها الإنسانية والقانونية، وتمديد مهلة تقديم الإفادات بشكل يراعي الظروف الاستثنائية التي يعيشها ضحايا السودان في الداخل والشتات. يجب أن تُمنح هذه الفئة المتضررة كاملة الفرصة لتوثيق شهاداتهم، ليرتفع صوت الحقيقة فوق أصوات المدافع، ولتبدأ صفحة جديدة من المساءلة التي طال انتظارها.

العدالة ليست رفاهية، بل هي حق أساسي لكل إنسان فقد وطنه وكرامته. تمديد المهلة ليس مجرد إجراء شكلي، بل خطوة إنسانية جوهرية تعني الاستماع إلى آلام الملايين، وإعطاء الأمل في استعادة الحقوق، وبناء مستقبل أكثر أمانًا وكرامة.

لنرفع معًا صوت العدالة، ولنمنح الناجين فرصة لتدوين شهاداتهم، فبدون هذا الصوت، سيبقى الظلم يهيمن، ويُترك الجرح مفتوحًا بلا شفاء.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to Top