جنيف/كمبالا – 27 فبراير 2025.
في يوم الاثنين، 24 فبراير 2025، انطلقت أعمال الدورة الـ 58 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، والتي ستستمر حتى 4 أبريل 2025. تأتي هذه الجلسات بعد أكثر من 685 يوماً على اندلاع الحرب في السودان، حيث تتواصل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بوتيرة مروعة، مما أدى إلى معاناة إنسانية غير مسبوقة، فقد تسببت العمليات العسكرية المستمرة في مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين، وتشريد الملايين داخل السودان وخارجه.
يواجه الشعب السوداني واحدة من أفظع الكوارث الإنسانية في العصر الحديث جراء تواصل الجرائم والانتهاكات دون رادع، حيث يتعرض المدنيين يومياً الى القتل في انتهاك صارخ لحقهم في الحياة. ترتكب الأطراف المتحاربة والميليشيات المتحالفة فظائع مروعة ضد النساء والأطفال، بما في ذلك العنف الجنسي، والاعتقالات التعسفية، والتطهير العرقي الممنهج، علاوة على فرض قانون الطوارئ والظواهر السالبة في مناطق سيطرة الدعم السريع، بينما في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش وحلفائه تم ابتداع ممارسة تعرف بـ “بالوجوه الغريبة”، والتي بموجبها تمت محاكمة العديد من المدنيين؛ بالإضافة إلى ذلك، تستمر الانتهاكات المرتكبة من قبل مؤيدي طرفي النزاع، هذا فضلا عن منع وصول المساعدات الإنسانية واستخدامها كسلاح ضد المدنيين.
تشكل هذه الفظائع والجرائم انتهاكًا صارخًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والمبادئ الأساسية للكرامة الإنسانية. ورغم ذلك، لا يزال المجتمعان الإقليمي والدولي عاجزين عن اتخاذ إجراءات حاسمة للحد من هذه الجرائم والانتهاكات، في ظل استمرار تدفق الأسلحة المتطورة إلى الأطراف المتحاربة، مما يزيد من تأجيج الصراع وتفاقم معاناة المدنيين.
لقد كان لقرار الحكومة الأمريكية بوقف دعم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أثرٌ بالغٌ على الوضع الإنساني في السودان، حيث أدى إلى توقف تدفق المساعدات الإنسانية وتعطيل عمل غرف الطوارئ والمطابخ الجماعية، التي توفر الغذاء والدواء لملايين السودانيين المتضررين من الحرب، فضلا عن أوضاع اللاجئين السودانيين في دول الجوار، خاصة في ليبيا، إثيوبيا، مصر، أوغندا، تشاد، جمهورية إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، لا تزال في غاية السوء.
إن المساءلة والعدالة وتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالوضع في السودان يجب أن تكون على رأس الأولويات خلال المرحلة القادمة، لمنع استمرار الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين. لذا، نحن الموقعون أدناه من ممثلي منظمات المجتمع المدني السودانية، ندعو إلى:
- تعزيز التنسيق بين المنظمات العاملة في المجال الإنساني وحقوق الإنسان مع الآليات الإقليمية والدولية، بما في ذلك مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان وبعثة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة في السودان، لدعم جهود التوثيق وتقديم الأدلة للجهات المختصة لضمان المساءلة وتحقيق العدالة وإنهاء الإفلات من العقاب.
- إطلاق حملة مناصرة واسعة لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والضغط على الأطراف المتحاربة لوقف القتال وإنهاء تدمير الأرواح وسبل العيش، وإلغاء جميع الممارسات التمييزية مثل سياسة “الوجوه الغريبة” والظواهر السالبة، وضمان سيادة القوانين التي تكفل وتصون وتحمي حقوق الإنسان في أوضاع النزاع.
- إعطاء أولوية خاصة لرصد وتوثيق الانتهاكات ضد الفئات الأكثر ضعفًا، بما في ذلك الأطفال غير المصحوبين بذويهم، والأقليات العرقية والدينية، وكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، لا سيما في معسكرات النزوح ومخيمات اللاجئين.
- فضح عمليات الفساد ونهب موارد السودان من قبل الأطراف المتحاربة وحلفائها، وتسليط الضوء على اقتصاديات الحرب التي تمول النزاع من خلال تجارة الأسلحة والدعم المالي.
نجدد دعوتنا للمجتمع الدولي والإقليمي، بما في ذلك الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، ومجلس الأمن الدولي، والاتحاد الإفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيقاد)، بعدم ترك المدنيين السودانيين تحت رحمة الأطراف المتحاربة وأمراء الحرب، لا سيما إن الفشل في تنفيذ القرارات الدولية بشأن السودان سيؤدي إلى كارثة تمتد آثارها إلى ما هو أبعد من السودان، وستهدد الاستقرار الإقليمي والدولي. لذا، نحث المجتمعين الدولي والإقليمي على تحمل مسؤولياتهم التاريخية والأخلاقية والقانونية من خلال اتخاذ إجراءات فعلية لحماية المدنيين، حيث لم تعد بيانات الإدانة كافية، ويحتاج السودانيون إلى تحرك فوري وحاسم، وعليه، نوصي بالآتي:
- الضغط على الأطراف المتحاربة لوقف الحرب فورًا، وضمان حماية المدنيين، وتوفير الخدمات الأساسية للمتضررين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، ومنع استخدام التجويع كسلاح، وإجبار الأطراف المتحاربة على التفاوض للوصول إلى حل سياسي يحقق السلام والحكم المدني الديمقراطي.
- تفعيل آليات المساءلة الإقليمية والدولية، بما في ذلك توسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (ICC) ليشمل جميع الجرائم المرتكبة في الأراضي السودانية، وتعزيز الآليات لضمان تنفيذ قرارات حقوق الإنسان، وضمان تسليم جميع المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، بمن فيهم عمر البشير وأعوانه، لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وإنهاء الإفلات من العقاب.
- عدم التحفيز على انشاء سلطات أمر واقع بالاصطفاف على أسس إثنية أو قبلية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وتقسيم السودان.
- توفير الدعم اللازم لبعثة تقصي الحقائق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، لا سيما تنفيذ توصيات تقريرها الصادر في سبتمبر 2024، وتمكينها من الوصول إلى اللاجئين السودانيين في ليبيا، إريتريا، مصر، جنوب السودان، وإفريقيا الوسطى، وضمان تعاون الحكومات المضيفة لتمكين اللاجئين من الإدلاء بشهاداتهم بحرية.
- دعم برامج التدريب وبناء القدرات للمدافعين عن حقوق الإنسان، لتمكينهم من توثيق الانتهاكات باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وضمان جودة تقارير التوثيق، وإنشاء آلية حماية شاملة تشمل الدعم القانوني والنفسي.
- ضمان تمثيل قوي لمنظمات المجتمع المدني السودانية في دورات مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2025.
- إنشاء آليات قوية لحماية المدنيين، لا سيما النساء والأطفال في مناطق النزاع، وتعزيز الاستجابة الإنسانية، وتفعيل آليات المراقبة والمساءلة.
الموقعون:
شبكة المفوضية المستقلة لحقوق الإنسان في شمال أفريقيا.
القدح نيوز.
المركز النوبي للسلام والديمقراطية.
المرصد الديمقراطي للشفافية والحقوق.
المنظمة الافريقية للحقوق والتنمية.
مؤسسة أبواب للتنمية والسلم الاجتماعي.
مركز سلاميديا.
مركز السودان للمعرفة.
مركز زمزم الدولي للتحكيم والعدالة والعدالة الانتقالية والسلام.
منظمة مناصرة ضحايا دارفور.
هيئة محامي دارفور.