موجز طارئ: الإستجابة الإنســانية للأزمة السودانية.
ابريل 2023- ديسمبر 2024 (السودان: 7 ارباع بقاع الجحيم وبابان).
1| مختصر الإحاطة: يستعرض الموجز الأزمة الإنسانية المُتفاقمة بالسودان، بما في ذلك حجمها والعمليات والتفاعلات المرتبطة بها، لا سيما ويلاتها وتأثيراتها، كما يقدم مسار موضوعي لاستعادة الحياة الطبيعية وصولاً إلى سلام عادل، بما في ذلك من خلال استجابة منصفة ومتقاربة مع أولويات المجتمعات المحلية ومستجيبة للمصالح الجيوسياسية.
2| حرب الـ15 ابريل 2023:
- أكملت العمليات العسكرية ربعها الثالث من العام الثاني بين المؤسسات الدفاعية والأمنية من جانب، وقوات الدعم السريع (قوة مشاة تم إنشاؤها حديثاً) من جانب آخر، مقرونة بعمليات محدودة مع قوات الجيش الشعبي وجيش تحرير السودان، كما انضمت مجموعة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للقتال مع الجيش، وأخرى موالية للطرف الآخر في العمليات العسكرية (راجع تقارير: بعثتي تقصي الحقائق بالأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي)، إضافة إلى الاستقطاب المحموم الهادف إلى انخراط مجموعات جديدة من المستنفرين والمليشيات في جميع الأطراف (راجع تقارير: الشبكة الشبابية للمراقبة المدنية)، ويُقدر معهد السياسات العامة – السودان أعداد المجندين النشطين في جميع الأطراف بـ+3.9 مليون شخص؛ معظمهم من الشباب والأطفال.
- لا تزال الأمم المتحدة تُعرِّف سبب الأزمة الإنسانية في السودان بحرب 15 أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع، التي تهدف إلى انفراد أحدهما بالسلطة والمشروعية؛ وتتفق معها معظم المنظمات الدولية والإقليمية على هذا الاتجاه بدءاً، ثم تتعامل منابر السلام مع توصيف يكاد يتطابق مع النص المذكور آنفاً، لكن الحكومة السودانية، التي تتخذ من بورتسودان مقراً لها، تستخدم تعبير: تمرد وعدوان قوات الدعم السريع المدعوم بدولة الامارات وأخرون، وتؤكد تقارير الخبراء ذلك (راجع تقارير فريق الخبراء المعني بالسودان بموجب القرارات 1591 (2005) – 2725 (2024))، وتحمّل الأخيرة عناصر نظام 30 يونيو 1989 مسؤولية ما آلت إليه الأحوال، ويتفق مع كل طرف مجموعة من التحالفات السياسية والعسكرية، بينما يصف برلمان الشباب – السودان وعدد من القوى الوازنة سبب الأزمة الإنسانية في البلاد بأنه انحراف أجندة وسلوك معظم التنظيمات العسكرية والسياسية عن مهامها في حماية الاستحقاقات المدنية والتنموية، بما في ذلك تقويضها بفظائع وانتهاكات جماعية، أو بالتستر على مرتكبيها، أو بالتراجع عن أداء الواجب.
- أشار فولكر بيرثس (انتقال السودان إلى الحرب وحدود المساعي الحميدة للأمم المتحدة، 2 أكتوبر 2024) إلى أن التحديات التي واجهتها يونيتامس تحت قيادته في أوزنة أطراف السلام، والمعروفة إعلامياً بالاتفاق الإطاري، أدت إلى موجات العنف المسلح التي بدأت في أبريل 2023، حيث تروّج عناصر حزب المؤتمر الوطني المحلول وقادة الدعم السريع لذات المضامين، بينما يرفض الإطاريون ذلك، ويرجعون أسباب الأزمة إلى وقوف عناصر الحزب المحلول في الفترة الانتقالية الأخيرة خلف الرصاصة الأولى واستمرار العمليات العسكرية من جانب الجيش وحلافائه، وفي الوقت ذاته، تفضل التنظيمات العسكرية غير المنخرطة بصورة صارخة في الحرب أن توسع عمليات الإغاثة وحماية النازحين (راجع: نداء عاجل للاستجابة الإنسانية لأزمة الجوع في جبال النوبة ومنطقة الفونج الجديدة، 16 أغسطس 2024)، والابتعاد قدر المستطاع عن التجاذبات الإعلامية والاشتباك المسلح مع أي من الأطراف، مصحوباً بتوسيع مساحة السيطرة على الأرض.
3| الهشاشة ما قبل الحرب:
- لم يكن السودان في وضع سياسي مستقر قبل أحداث أبريل 2023؛ لقد أدى انهيار نظام عمر البشير أمام ثورة ديسمبر 2018، وتنافس قادة المؤسسات الأمنية والدفاعية المكونة للتحالف الحاكم؛ للانفراد بالسلطة، لا سيما قوات الدعم السريع التي كانت تحرس رأس النظام وثروة التنظيم (الدولة العميقة)، إلى حالة من عدم اليقين وسباق استقطاب وتسلح بين مراكز هذه القوى، حيث لم تفلح اتفاقية السلام الموقعة في العام 2019 بين هذه الأطراف مجتمعة (المجلس العسكري الانتقالي) وتحالف الحرية والتغيير في احتواء الأزمة أو حتى الصمود كثيراً، فقد تم فض الاعتصام الشهير أثناء عمليات قسمة السلطة على الطاولات، ومن ثم تأسيس شراكة مدنية-عسكرية لقيادة الأداء التنفيذي بوصاية القوات العسكرية، التي انهارت هي الأخرى بعد أقل من عامين، حتى بعد تعزيزها باتفاقية جوبا 2020 (راجع: تقييم التجربة الانتقالية، صحيفة الديمقراطي، 24 يوليو 2022)، وسرعان ما تكشَّف الخلاف داخل هذه المؤسسات، الذي عبرت عنه أطراف وازنة بمحاولات الانقلاب المتكررة، بما في ذلك على الشريك المدني، ومن ثم المواجهات العسكرية المفتوحة، وما يعرف لاحقاً بحرب 15 أبريل 2023.
- استمر الاقتصاد في التدهور خلال فترة الشراكة والفترة التي أعقبتها بنفس وتيرة نظام البشير، حسب تقارير مجموعة البنك الدولي (راجع: تقارير المراجعة السنوية وبرامج الدعم الاقتصادي)، فقد شهدت البلاد سنوات من السياسات المعادية للإنتاج وسوء توزيع ثمرات الاقتصاد، مع عزلة دولية وعقوبات أمريكية وأوروبية، وتنامي معدلات الفقر والبطالة، وهجرة العقول، إلى جانب ذلك، استمرت مستويات التضخم المفزعة والهبوط الحاد المتتالي في قيمة العملة، مصحوبة بعجز في الميزان التجاري؛ دفع هذا الوضع حكومة 2019 إلى تنظيم عدد من المؤتمرات ودفع تعويضات لضحايا النظام السابق في أمريكا بهدف رفع العقوبات وتعبئة الموارد، لا سيما إعفاء الديون والإيفاء بتعهدات الانتقال، كما وقعت الحكومة برنامجاً مراقباً من صندوق النقد الدولي يستهدف استعادة النمو بحلول عام 2026، ويفتح المجال بصورة عاجلة لتمويل الموازنة العامة والأنشطة الاجتماعية والاستثمارية، بما في ذلك برنامج ثمرات لتمويل الأسر الفقيرة، التي تتجاوز نسبتها 80% من حجم السكان، وفقاً لإفادات الحكومة أنذاك.
- لقد كان السودان وما زال دولة معزولة بدون حلفاء، مع تواجد مريب في أحلاف متناقضة بصفة تابع في أفضل الأحوال، وحالة توتر دائم مع الجيران والدول العظمى؛ كما اتسمت السياسات الخارجية بدعم عصابات نظام 30 يونيو 1989 على حساب مصالح البلاد والمواطنين، مصحوباً بإيواء الجماعات الإرهابية والمليشيات العرقية التي تفتقر إلى أي سقف أخلاقي، وأدى ذلك إلى مزيد من العزلة والتدخل السافر في الشؤون الداخلية، بما في ذلك تأجيج الصراعات المسلحة بين السكان فيما بينهم، وبين السكان والحكومة من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن حكومة الشراكة أحدثت اختراقات دبلوماسية، إلا أنها لم تؤثر كثيراً على سياق الهشاشة والعزلة الاقتصادية (راجع: مقترح منظمة تدريب وتشغيل الشباب لاستعادة الشرعية الدستورية ومسار التحول الديمقراطي في السودان، نوفمبر 2022).
- للسودان تاريخ طويل مع النزاعات والحروب المسلحة، وكذلك مع اتفاقيات السلام الثنائية بين الحكومة المركزية والجماعات المسلحة، وبين المجتمعات فيما بينها، والتي تُعرف محلياً بالمصالحات أو القلد وغيرها، لكنها تتفق على هشاشتها ومخرجاتها غير المنحازة للسكان وأولوياتهم، ومن أبرز هذه الاتفاقيات اتفاقية السلام الشامل، التي أسست لنظام حكم مختل، جعل من انفصال جنوب السودان أمراً واقعاً، كما وُقعت آخر اتفاقية في العام 2020، كنموذج مطور لها، وقد تم الترويج لذات النموذج مؤخراً تحت مسمى الاتفاق الإطاري.
- لقد حمل مصطفى بوش النخبة التي تعاقبت على حكم السودان، وتطبيقها الأعمى لسياسات ما قبل الكولونيالية، ودعمها لمشروعات هوس الوصاية العابرة للقارات، مسؤولية تعميق الأزمة الاجتماعية، لا سيما تجاهلها المتعمد لنواتج سياسات مؤسسة الرق بفتراتها المتعاقبة، والتأثيرات المدمرة لقانون المناطق المقفولة لعام 1922، وتغير توازنات القوى التي أوجدها مشروع الخارطة الدينية الجديدة لفرنسا بمنطقة الساحل، ومن ثم تسامحها مع عبث المشروع الحضاري (مشروع الإخوان المسلمين)، ويذهب بوش إلى اتهام إيطاليا بتدمير الروابط التي نشأت حديثاً بمشروعها الموسوم بـالخارطة الجينية، ويحمل جل المسؤولية للاتحاد الأوروبي وما فعله باتفاقية الخرطوم 2014، من تعميق خطير للأزمة الاجتماعية (راجع: ورقة التثقيف المدني والتقاطعات الجيوسياسية، نوفمبر 2024).
4| الأثار المباشرة للحرب: تضاعفت التحديات بسبب الحرب وسياساتها الموسومة بتجريف المجتمعات الحضرية وإرغامها على الإيقاف الإجباري للعمليات الإنتاجية من خلال السحب العشوائي لوسائل الإنتاج ورأس المال.. الخ، وقد صاحب كل ذلك فظائع جماعية وتهجير قسري داخل وخارج الحدود، مما أدى إلى تحديات مستجدة، مثل الإغاثة وإعادة الإعمار، وتجميد العمل على الأجندة التقليدية، مثل الإنعاش الاقتصادي والإصلاح السياسي، والمعروفة إعلامياً بالانتقال (وثيقة المبادئ العامة للانتقال الشامل بالسودان، 25 يوليو 2023).
5| الوضع الراهن:
- النظام الصحي : منذ الأشهر الأولى للحرب، انهار النظام الصحي في السودان نظراً لتمركز الرعاية الصحية والإمداد الدوائي في العاصمة الخرطوم، حيث أصبحت 80% من المؤسسات الصحية خارج الخدمة بحلول نهاية العام 2023؛ كما انخفضت سعة استيعاب مؤسسات الرعاية الصحية الأولية إلى 27% فقط، ومراكز غسيل الكلى إلى 25% منذ الشهر الأول للحرب، مما وسّع نطاق الطوارئ في البلاد.. واليوم، في عموم السودان، لا تتجاوز كفاءة النظام الصحي 30% (منظمة الصحة العالمية 2024)، وعقب انهيار النظام الصحي في الخرطوم، امتصت ولاية الجزيرة الصدمة وأصبحت مركزاً للخدمات والرعاية الصحية ومقراً لإدارة النظام الصحي ومستودعاً للمخزون الدوائي في البلاد، ولكن عقب اجتياح قوات الدعم السريع لولاية الجزيرة، طالت عمليات النهب والإتلاف المتعمد للإمدادات الطبية كامل مخزون البلاد.
- نفاذ المساعدات: أعاقت الأطراف المتصارعة وصول 90% من المتضررين من الصراع في مناطق النزاع النشطة، لا سيما الخرطوم والجزيرة ودارفور، إلى المساعدات.. حيث فرضت قوات الدعم السريع رسوماً مفرطة على التنقل للأفراد والمواد الغذائية، أو تم سرقة المساعدات الإنسانية، كما يمنع الجيش وصول الإغاثة إلى تلك المناطق التي تنتشر فيها قوات الدعم السريع (المبعوث الأمريكي 2024)، بالإضافة إلى الفجوة في التمويل التي تعاني منها المنظمات والجهات الفاعلة في الاستجابة الإنسانية، حيث تلقى حوالي 12.7 مليون شخص فقط في السودان مساعدات بشكل متفاوت خلال العام 2024، بنسبة تمويل لخطة الاستجابة الإنسانية لا تتجاوز 30% (منسق الشؤون الإنسانية 2024).
- العمليات العسكرية: منذ الأيام الأولى للحرب، انتشرت قوات الدعم السريع في مساحات شاسعة أوسع من قدرتها على التحكم والسيطرة، وأشار أحد مستشاري الدعم السريع إلى عدم قدرة القوات على التعامل مع المدن وإدارتها، رغم استهداف تلك القوات لأكثر المدن الحضرية كثافة بالسكان، حيث انتشرت القوات بكثافة في الخرطوم وكردفان والجزيرة والمدن الرئيسية في دارفور، كما كانت حالة الدفاع والاحتماء داخل المقار العسكرية سمة الجيش البارزة طوال العام 2023، وأتى أول انفتاح للجيش خارج مقراته في مطلع العام 2024، حيث ركز عملياته على الخرطوم والجزيرة، وتوسع الجيش في ولاية الخرطوم منذ سبتمبر 2024، وسيطر على الحلفايا وجزء من المقرن، ولا تزال قوات الدعم السريع تحاصر مدينة الفاشر منذ مايو 2024، وخسرت مؤخراً قاعدة الزرق الاستراتيجية؛ كما ارتفعت معدلات الفظائع الجماعية ضد المدنيين في دارفور والجزيرة منذ يونيو الماضي، وتوسعت رقعة الاشتباكات في سنار والنيل الأزرق في أغسطس 2024، وشهدت أواخر العام 2024 احتداماً للمعارك بين القوات المسلحة وحلفائها (القوات المشتركة) والدعم السريع في الفاشر، وبين الدعم السريع والحركة الشعبية في جنوب كردفان، وبين الجيش والدعم السريع في الجزيرة وشمال كردفان، وزادت معدلات النزوح بشكل كبير إلى مناطق سيطرة عبدالواحد نور في شمال دارفور، وتواصلت الاحتكاكات بين قوات الدعم السريع وحركة عبدالواحد نور؛ وقد صرح الناطق الرسمي باسم الحركة أنه لا مكان للحياد بعد الآن، مما ينذر بانخراط حركة عبدالواحد نور كطرف عسكري خامس في الصراع في السودان بشكل مباشر.
- البطاله– الاطفال– والنزوح القسري: كان التهجير القسري والنزوح السمة الغالبة على حياة السودانيين، حيث كان معدل النازحين داخلياً 1.9 مليون (UNHCR: 2024)، وشكلت حرب الـ15 من أبريل انهياراً غير مسبوق للجهود الوطنية والدولية المعنية بتنظيم هجرة اليد العاملة العشوائية، حيث ارتفعت معدلات النازحين داخلياً إلى 8.7 مليون واللاجئين إلى 3.2 مليون (المرجع السابق)، وفقد السودان 95% من صادراته عقب انفصال الجنوب في 2011، وتدنى النمو الاقتصادي إلى النصف (البنك الدولي 2018)، وأصبحت الزراعة تمثل 80% من نسبة القوى العاملة في السودان (ILO:2018)، وارتفعت معدلات البطالة إلى 47% (صندوق النقد 2024)، وتعرض ملايين العمال في القطاع الخاص للتسريح القسري والفصل التعسفي دون استحقاقات بحجة “القوى القاهرة”، وفي سياق متصل تسبب التدمير المتعمد للبنية التحتية الصناعية في مركز الصناعة في السودان (الإقليم الأوسط) بنسبة تفوق 90%، كما تم تطبيق ذات النهج على عمال القطاع العام بالحرمان من المرتبات بشكل تام لفئات واسعة من العاملين منذ اندلاع النزاع العنيف، وفقدت البلاد ما يزيد عن 12 مليون فدان عقب توسع رقعة العمليات العسكرية في كردفان والجزيرة وسنار، ووصل عدد الولايات خارج النظام الزراعي إلى 13 ولاية من أصل 18 (منصة السودان للأمن الغذائي 2024)، وتقلصت المساحة المزروعة من مشروع الجزيرة إلى أقل من 5%، وتعرضت 800 قرية سكنية في أقسام المشروع الـ10 إلى التهجير القسري (تحالف مزارعي الجزيرة 2024)، وعانى الأطفال من انتهاكات جسيمة عقب حرب الـ15 من أبريل، مما أدى إلى إدراج الجيش والدعم السريع في قائمة العار الأممية؛ حيث تعاظمت الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال بنسبة 480%، وأكدت الأمم المتحدة وقوع 1721 انتهاكاً جسيماً منذ العام 2023 (تقرير الأمين العام السنوي)، وأشارت الإحاطة التي قدمها المتحدث باسم اليونيسيف في جنيف في أغسطس 2024 إلى أن الحرب في السودان أجبرت ملايين الأطفال على الهروب من منازلهم، بمعدل 10 آلاف طفل وطفلة نازحين كل يوم؛ وتم التأكيد على وجود مجاعة للأطفال لأول مرة منذ سبع سنوات، والثالثة منذ إنشاء نظام المراقبة قبل 20 عاماً، حيث يعاني أكثر من 143 ألف طفل من أسوأ أشكال سوء التغذية في العالم مع ارتفاع معدلات وفيات الأطفال نتيجة لانهيار النظام الصحي، كما خرج ملايين الطلاب في جميع المراحل الدراسية من المدارس والجامعات، خارج نظام التعليم، بما في ذلك الأطفال.
- الامن الغذائي: تفشت المجاعة في خمسة مناطق حتى الآن، حيث يعاني أكثر من 700 ألف شخص من المجاعة في دارفور وجبال النوبة، مع ارتفاع مريع لمعدلات سوء التغذية الحاد لدى الأطفال، مما يصل إلى حد إعلان حالة الطوارئ لدى منظمة الصحة العالمية، ويواجه +24 مليون شخص خطر المجاعة، ومن المتوقع أن تتوسع إلى 15 منطقة أخرى بحلول الربع الأول من العام 2025 (تقارير لجنة مراجعة المجاعة 2024).
- البنية التحتية: تعرضت أكثر من 70% من البنية التحتية التعليمية للتلف الجزئي أو الكامل، حيث تحولت المؤسسات التعليمية إلى دور لإيواء الفارين من جحيم الحرب أو ثكنات عسكرية بغرض تخزين الذخائر أو مقابر جماعية، وتم إغلاق 10,400 مدرسة في المناطق المتضررة من الصراع، حيث وصلت معدلات تدمير البنية التحتية الصناعية في السودان إلى 95% في ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور التي تضم قرابة 90% من النشاط الصناعي؛ مع تعطل تام للقطاع المصرفي في أشهر الحرب الأولى وتلف واسع النطاق للمؤسسات البنكية والبنك المركزي، وخروج تطبيقات الخدمات المصرفية الإلكترونية عن الخدمة، حيث كان الاعتماد على مصرف واحد فقط خلال الأشهر الأولى للنزاع، كما تسببت الحرب في تلف كبير للبنية التحتية للاتصالات، حيث حالت الاشتباكات العنيفة وقصف البنية التحتية ووقوع أغلب المقار الرئيسية لشركات الاتصالات الكبرى وجهاز تنظيم الاتصالات والبريد بالمناطق الأشد سخونة، مما أدى إلى تذبذب في استقرار الاتصالات منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023، لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد في حرمان ملايين السودانيين من الحق في التواصل، حيث دخلت الاتصالات ضمن الصراع السياسي عقب سقوط البشير، حيث تحولت الوكالة على جهاز الاتصالات إلى وزارة الدفاع بدلاً من وزارة الإعلام منذ 15 أغسطس 2019، ثم إلى مجلس السيادة في سبتمبر من نفس العام، ويتم قطع شبكات الاتصالات بالتزامن مع الاحتجاجات، وأصبحت لاحقاً بالتزامن مع توسع رقعة العمليات العسكرية أو احتدامها؛ وفي 7 ديسمبر 2023، تم إصدار قرار بمصادرة أجهزة الإنترنت الفضائي، وفي فبراير 2024، انقطعت شبكات الاتصالات لجميع الشركات الثلاث العاملة في السودان في جميع أنحاء السودان بدون إبداء أسباب، ومن ثم انقطعت خدمات المياه والصرف الصحي عن 15 مليون مواطن في نوفمبر 2023، وواجه أكثر من 300 ألف مواطن في الخرطوم نقصاً حاداً في المياه بين أبريل وأكتوبر من العام 2023، ولا تزال الأوضاع في تدور مستمر إلى الآن، حيث لجأ المواطنون لاستهلاك المياه الملوثة من النيل مباشرة ودن معالجة (المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة 2024).
- العملية السياسية : أخذت العملية السياسية في السودان ثلاثة أبعاد رئيسية تعتمد على ملكيتها وتشمل: أ) الجهود المدنية لإنهاء الصراع في السودان: بعد وقبل اندلاع الحرب، تكاثرت الجهود لتفادي الحرب ثم استعادة الحياة الطبيعية، لقد تكاملت مبكراً جهود أكثر من أربعة مبادرات في العاصمة الكينية نيروبي أواخر العام 2023، بهدف بناء جبهة مدنية مناهضة للحرب، أبرزها مجموعة معهد السياسات العامة – السودان، ومجموعة الحرية والتغيير المجلس المركزي، ومجموعة المجتمع المدني بقيادة رئيس الوزراء السابق، حيث تحالف الأخيرون في جبهة واحدة لاحقاً مع آخرين، ومن ثم تكاثرت المبادرات وتعددت، لكن معظمها لم يخرج من قضيب الحرب ومناصرة أحد الأطراف على حساب الآخر؛ إلى أن أعلن برلمان الشباب عن مبادرة الحوار الشبابي في نهاية العام 2024، حيث المستويات الرفيعة من الوعي بضرورة استعادة الحياة الطبيعية وصولاً لسلام عادل (معهد السياسات العامة- السودان 2024)، ب) الجهود الإقليمية لإنهاء الحرب: بدأت الجهود الإقليمية بدعوة جامعة الدول العربية لإيقاف الحرب منذ يومها الأول، وطالب أمينها العام في 19 أبريل بوقف إطلاق النار؛ وفي مايو 2023، أصدرت جامعة الدول العربية القرار 8913 الداعي لوقف الأعمال القتالية؛ وبذل الاتحاد الأفريقي والإيغاد جهوداً غاية في الأهمية لحل الأزمة من خلال تشكيل اللجنة الرباعية لحل الأزمة، والتي لم تنجح مساعيها في عقد لقاء بين الأطراف المتصارعة، ومن ثم انعقدت قمة في جيبوتي في ديسمبر 2023 ضمن رؤساء دول الإيغاد بحضور البرهان، قررت القمة إنهاء الحرب بدون شروط، ولكن الخارجية السودانية نفت تلك المخرجات، ومن ثم تم عقد قمة أخرى لدول الإيغاد قاطعتها قيادة الجيش متعللة بمشاركة حميدتي ضمن جلساتها الرسمية، وواصلت القمة أعمالها وأقرت وقف إطلاق النار ونزع السلاح في الخرطوم ونشر قوات أفريقية لحماية العاصمة عبر آلية مشتركة، وتقرر دمج منبري جدة والإيغاد، وعلق السودان عضويته في الإيغاد في 20 يناير 2024 احتجاجاً على القرارات، كما تم تعليق اجتماعات المنامة بين الجيش والدعم السريع في ذات الشهر من العام 2024، وعقب فشل جهود الإيغاد، شكل الاتحاد الأفريقي الآلية السياسية رفيعة المستوى بقيادة بن شماس في 17 يناير 2024؛ كانت هذه المرة الأولى التي يحدث فيها تفاعل دولي مباشر مع الأطراف المدنية، حيث أقرت الآلية ضرورة إشراك أصحاب المصلحة المدنيين والعسكريين في المباحثات الهادفة لوقف الحرب، وابتدرت الآلية أعمالها في فبراير بلقاء ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وقادة الجيش والدعم السريع، واستأنفت جولة إقليمية أجرت خلالها مباحثات مع الفاعلين السياسيين من جميع الأطراف داخل وخارج السودان، أبرز هذه اللقاءات الاجتماعات مع المؤتمر الوطني المحلول، مع استبعاد متعمد للمجموعات الفئوية الوازنة من تلك المشاورات الأولية بشكل متعمد (المرجع السابق)، ج) الجهود الدولية لوقف الحرب: ابتدرت الجهود الدولية بمنبر جدة لإنهاء الصراع، وينظر إليه على أنه منبراً عسكرياً – عسكرياً بتيسير دولي من السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، والذى توصل نهاية المطاف إلى إعلان جدة الإنساني في 31 مايو 2024، كأول إتفاق رسمي بعد الحرب، ولم يتم الالتزام بمخرجات جدة بالصورة المطلوبة، مما عقد الوضع الإنساني وزاد رقعة العمليات العسكرية، وعاد الطرفان مرة أخرى إلى منبر جدة في أكتوبر الماضي بمشاركة الإيغاد، لكن لم يتم إحراز تقدم يذكر، ومن ثم عينت الولايات المتحدة مبعوثاً خاصاً للسودان في فبراير من العام 2024، حيث قام بعدة جولات إقليمية التقى خلالها أبرز الفاعلين الدوليين مرات عديدة، كما زار بورتسودان في نوفمبر من العام 2024 وفي أغسطس من نفس العام، تم تأسيس تحالف “متحدون من أجل السودان” لتعزيز جهود حماية المدنيين، وتنفيذ الامتثال لإعلان جدة وتعزيز الجهود الدبلوماسية لوقف الحرب بمشاركة ضئيلة لبعض المجموعات النسوية في السودان، واستبعاد تام للشباب والقوى المدنية الأخرى في هذه المباحثات التي أنتجت التحالف الجديد، لكن لم تفلح جهوده في الوصول لحل للصراع حتى تاريخ تحرير الموجز (المرجع السابق).
6| الاستجابة الانسانية:
- الجهات الفاعلة وتحديات الاستجابة الإنسانية: أدى نشوب القتال في مركز الحياة إلى إصابة جهاز العون الرسمي المركزي في مقتل، وطوال الأسابيع الأولى كانت الفوضى هي سيدة المشهد، لقد أدت جهود المساعدات المتبادلة التي ابتدرها السودانيون بعد ساعات من اندلاع الأعمال القتالية إلى حماية مئات الآلاف من المدنيين العالقين في ساحات المعارك، من توفير معلومات عن الطرق الآمنة ونشر معلومات عن الإسعافات الأولية إلى إجلاء العالقين في المدارس وأماكن العمل (لوديا سبيت، نيلز كريستنسن 2023)، ولقد ميزت هذه الجهود قطاعاً كاملاً من المتطوعين من أعضاء غرف الطوارئ ولجان المقاومة وبعض المهنيين والعمال الفنيين الذين سيكونون الخط الأول للاستجابة الإنسانية طوال الأشهر المقبلة من النزاع؛ هذا بجانب نظام العون الرسمي والأجهزة الحكومية بما فيها مفوضية العون الحكومية، وكذلك انضمت الوكالة السودانية للإغاثة التي أنشأتها قوات الدعم السريع إلى هذه الشبكة المعقدة، وفي الوقت الذي أظهرت فيه تدخلات الأطراف المتصارعة لا مبالاة بالبنية التحتية وحماية المدنيين بنسب متفاوتة، كانت غرف الطوارئ والمطابخ الجماعية والتكايا تحرس الحقوق الأساسية للسكان (لوديا سبيت ونيلز كريستنسن 2023)، وهذا ما أهلهم إلى ابتكار آليات مبتكرة للتوزيع والتفاوض بشأن العبور الآمن للإغاثة والمدنيين على السواء، كما بذلت جهودٌ مقدرة في التنسيق وإدارة العمليات عبر خارطة مترعة بالعنف والتحديات، وكذلك شكلت الموارد المالية عقبة كبيرة في استدامة النشاط في الأشهر الأولى، بالرغم من الانفراجة اللاحقة ودخول عدد كبير من المنح الصغيرة والسريعة حيز التنفيذ، والتى تديرها برشاقة مجموعات صغيرة من المتطوعين والمنظمات غير الحكومية الوطنية، وبالرغم من الالتزامات التي قطعتها الأطراف المتحاربة، إلا أن الوصول الآمن للإغاثة ما زال مقيداً، ما حد من حصول الملايين على المساعدات الضرورية لتلبية الاحتياجات الماسة للسكان (تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، ديسمبر 2024)، لقد تسببت البيروقراطية في كثير من الأحيان في إعاقة وتأخير دخول الموظفين الإنسانيين، إضافة إلى تأخر الإفراج عن شحنات الغذاء والدواء، كما أن انتشار العنف في معظم أنحاء البلاد أضر بالبنية اللوجستية الضرورية كطرق والمطارات، وحد من إمكانية توسيع نطاق الاستجابة الإنسانية في أكثر الأماكن حاجة.
- الأولويات العاجلة: يشكل التصدي للصدمات الكبرى الثلاث (الصراع، الفيضانات، وتفشي الأمراض) وتأثيرها على السكان والخدمات الأساسية أولوية رئيسية (بيان منسق الشؤون الإنسانية حول إطلاق خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في السودان لعام 2025 – ديسمبر 2024)، ولكن هذه الأولويات تمثل أولويات نظام العون الرسمي؛ ومع ذلك يبدو أن للسودانيين أولويات أخرى تتطابق في جوهرها مع ضرورة مرافقة المجتمع الدولي للشعب السوداني في طريق السلام والاستقرار، لذلك فإن أي أولوية عاجلة اليوم هي ضمنياً دعم الاستقرار والمساعدة في تعزيز صمود السكان، وتشكل تلبية احتياجات الفئات الأكثر ضعفاً من أهم متطلبات المرحلة الحالية في معظم مدن وأرياف السودان، وكان بالفعل حوالي 61% من السودانيين فقراء (البنك الدولي 2021) وعدد 80% في حوجة لدعم مالي مباشر (الحكومة الإنتقالية 2020)، مما يتطلب تلبية المساعدات الغذائية بطرق ملائمة، ومع ذلك هناك مناطق في الإقليم الشمالي والشرقي، بالإضافة إلى بعض ولايات دارفور، التي لم تصلها المعارك العسكرية المباشرة، إلا أن سكانها يعانون من هشاشة الدولة وصعوبة رعايتها للاقتصاد، مما أدى إلى حالة تفوق مستوى الاحتمال والقدرة على التحمل.
7| الويلات :
- ديموغرافيا مشروع التقسييم: لطالما ارتبط التغير الديموغرافي في السودان بالنزاعات، مما جعل الأخير يوصف هو الآخر بالتغيير العنيف فبحلول ديسمبر 2024، كان أكثر من خمس السودانيين، بما فيهم حوالي 3 ملايين طفل، قد أجبروا على الفرار من مناطقهم، ويعيش معظم المشردين داخلياً (8.3 مليون مشرد) في بؤس شديد بسبب الحروب السابقة، بينما عبر أكثر من 2 مليون شخص الحدود، مع تشكل الأطفال والشباب الأغلبية الساحقة منهم (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 2024)، في الوقت نفسه كان هناك من بقي عالقاً في الخطوط الأمامية للمعارك، لقد شكلت هذه الأعمال القتالية، إلى جانب إجراءات التهجير القسري وتفكيك مخيمات النازحين وعسكرتها، بالإضافة إلى العوامل الطبوغرافية (خارطة التواجد والنفوذ)، معالم جغرافية وسكانية بطريقة متعسفة وممنهجة؛ سهلت هذه الإجراءات تواجد الأطراف المتصارعة في الحدود، الطرق، الأسواق التجارية، مناطق التعدين، النفط، الغابات، والمشروعات الزراعية الكبيرة، كما أسهمت هذه الإجراءات بشكل مباشر في خلق الشقاق الاجتماعي الضروري للتجنيد، الذي يعتمد عليه الأطراف المتحاربة لتأمين تدفق الموارد المالية الضرورية لتوفير مزيد من الحوافز للمقاتلين، ونتيجة لذلك نشأت اقتصادات حرب مدمرة، وتم توظيف التباينات العرقية والجهوية لتأجيج النزاع بالمراكز الحضرية، وأثقلت هذه الخارطة المجتمع المدني بعبء العمل الإنساني (تقرير الأمين العام للأمم المتحدة 2024)، بينما تتعرض الجهات المناهضة للحرب للمضايقات والتشويش من سلطات الأمر الواقع، يُمنع الحراك السياسي والمدني من التحدث علناً عن الانتهاكات المستمرة، وتفرض هذه الخارطة اليوم مجموعة من المعضلات البنيوية التي قد تقوض الحلول الوطنية التأسيسية القائمة على حرية التنقل والانتماء، والحق في العمل وملكية الأراضي؛ هذه المعضلات تمتد إلى الاقتصاد السياسي للحرب، وشكل التخلي عن الأهداف الاستراتيجية لدعم المرونة والتعافي في المناطق الأكثر هدوءاً عاملاً مساعداً لسياسات الهشاشة، ويعني ذلك تماشياً غير موفق مع مخرجات خارطة النفوذ والسيطرة التي رسمتها الأعمال القتالية، وبالتالي تجفيف المراكز الحضرية الواقعة في خط النار بالإخلاء القسري، أو محاصرة المناطق الواقعة في ولايات آمنة نسبياً بسياسات لا تدعم التمدن والنمو الاقتصادي، لا يبشر بأي آمال بشأن مستقبل القوى المدنية الديمقراطية بالبلاد.
- الوجدان المشترك: تعتبر أولويات التعاون المجتمعي التي ابتدرها السودانيون منذ بداية الحرب، والتي استمرت نحو 20 شهراً، دليلاً دامغاً على أنها مصدر مستدام للتماسك الاجتماعي وبالتالي للسلام، ومع ذلك تلقي هذه الأولويات الضوء على التناقض بين الأجندة الاجتماعية للمجتمعات المحلية، التي تعبر عن حاضنة للمواطنة والتنوع، وبين الأجندة الأحادية للنخبة العسكرية والسياسية، وعلى الرغم من التزايد المستمر في عدد غرف الطوارئ، والمطابخ الجماعية، ومجموعات الحماية المجتمعية، والمساحات الصديقة للنساء، إلا أن الجهود المجتمعية لا يمكن التعبير عنها بشكل كامل من خلال البيانات الكمية، نظراً لتنوعها وتعقيد آثارها ونتائجها؛ قد أصاب النزاع الأخير المواطنة في مقتل، مما دفع المجتمعات المحلية إلى تكثيف الجهود لاستعادتها من خلال إعادة وضع منظومة الخدمات الأساسية في الخدمة مجدداً، وذلك من خلال قيادة المشاورات والتفاوض بشأن الأمن، والطعام، وتأمين الأسواق، وتنظيم حملات التعايش السلمي، وتدشين قيم التطوع، وعلى الرغم من أن هذه الجهود تسير في طريقها نحو السطح السياسي، إلا أنه يجب ألا يغرنا التفاؤل بمستويات الإحباط من نواتج السياسة في هذا البلد، ويجب أن تسعى التدخلات الهادفة للسلام إلى فتح قنوات محلية للاتصال والمشاورات المجتمعية، وبالتالي المساعدة في تدفق الفعل السياسي عبر القنوات والمسارات المدنية؛ وهذا سيتحقق من خلال الاعتراف بالجهود المجتمعية والشعبية وبناء صمودها، ومكافأتها، كما تم التأكيد عليها في الحوار الشبابي شبابي 2024.
8| فرص 2025 الملهمة:
- بناء الصمود وتدشين التعافي: من الضروري أن تتحرك الأهداف الاستراتيجية لأي خطة لاحقة نحو دعم المرونة والإنعاش، حيث يجب أن يستفيد هذا التحرك من نهج الرابطة الثلاثية ومخرجات الإصلاحات الأممية بعد الجائحة؛ إن الربط المستنير بين الجهد الإنساني والسلام يعني أن التحول السريع والمرن للمتأثرين سيكون ممكناً، بل إن التحرك العاجل نحو استدامة جهود العون الإنساني الهادفة لإنقاذ الحياة بات ضرورة ملحة، لكن هذا لا يعني استدامة نهج التدخلات الطارئة فقط، بل مواصلة العمل في مخرجات قمة الصفقة الكبرى (منى عبدالفتاح 2023)، والتي تؤكد على دعم تنموي طارئ (فيليبو غراندي، سبتمبر 2023)، ولقد أثبتت خطة العامين 2022 و2023 أن برامج دعم المرونة والإنعاش تساهم بشكل كبير في تعزيز بقاء المجتمعات في أوقات الطوارئ، وعلى الرغم من تضرر المجتمعات التي كانت خارج دائرة العنف المباشر، فإن التخلي العملي عن الهدفين الاستراتيجيين 3 و4 من خطة العام 2023 قبل التعديل كان له أثر كبير، ولذلك سيشكل تعزيز العمل في الهدف الاستراتيجي 3 من خطة الاستجابة الإنسانية 2025 مدخلاً مهماً لضمان الحقوق الأكثر ارتباطاً بالاعمل السياسي السلمي، وتشرح منظمات المجتمع السوداني والمجموعات القاعدية التي كانت تدعم الحقوق السياسية والمدنية هذه القضية بشكل واضح، حيث تم تقويض جهودها وتعرضت أنشطتها للتخريب؛ إن هذه الأصوات الداعمة لحقوق السودانيين في المواطنة والبقاء تشكل قاعدة واعدة لأي جهد سياسي واستعادة الخدمات الأساسية، وهي ضرورية لحل الأزمة المتفاقمة في البلاد.
- السلام والعدالة والتوطين: إن بناء الصمود يتطلب الاعتراف العملي بالجهود المجتمعية الشجاعة، وضمان تواجد هذه الجهود في جميع مراحل دورة البرامج، بدلاً من المكافأة المستمرة لسلطات الأمر الواقع، يشكل التوطين المدخل العملي نحو تحقيق هذا الهدف، حيث تولد النزاعات نقاط حاسمة تدعم عوامل التغيير التحويلي، ورفع قدرات المستجيبين المحليين السودانيين، بما فيهم النساء والشباب، وضمان الدعم الفني والمالي المرن والسريع، بالإضافة إلى دعم المؤسسات المحلية وإنشاء نظم الإنذار المبكر، يشكل اللبنات المثلى لبناء تدابير وقائية منقذة للحياة تمهد لتدشين التعافي وبناء السلام، وبالتالي تفويض المجتمعات المحلية كوكلاء إنسانيين ودعمهما في حماية الحقوق ودعمها يعني دوراً سياسياً أكثر إيجابية، حيث يصبح المواطنون شركاء فاعلين في عملية بناء وطنهم، لا مجرد ضحايا، ويتعين على الفاعلين في مجال المساعدات النظر في التعبئة المستدامة، بما في ذلك السعي المستمر نحو توطين المساعدات والعمل بشكل أكبر مع جهود المجتمع المحلي، كما أن برامج دعم تدابير الحماية واسعة النطاق ستساعد في إبقاء جذوة المجتمع المدني متقدة، مما يدعم الجهود الهادفة لتحقيق العدالة وضمان المشاركة المجتمعية الإيجابية في جهود المصالحة والإنصاف، ومن خلال دعم عمل بعثة تقصي الحقائق الدولية المستقلة، يمكن تعزيز تلك الجهود الهادفة إلى تحقيق العدالة والإنصاف للشعب، وفتح آفاق جديدة للمصالحة الفعالة.
- التضامن لا المعونة: أكدت المجتمعات المحلية مراراً على أهمية إعادة النظر في النهج الذي تتبعه المعونات الإنسانية، حيث أن نظام العون الرسمي يجب أن يتوقف عن النظر إليهم كضحايا؛ بل هم يطالبون بالتضامن الإنساني، وليس فقط المعونات، ويجب النظر إلى السودانيين باعتبارهم شركاء في بناء السلام والاستقرار، وأن حقوقهم لا يجب أن تُقارن بحقوق الحيوانات وما دونها (الفاتح النور 2024)، وتتطلب هذه الرؤية تعديلاً جوهرياً في أجندة أصدقاء السودان السياسية ليتم عكسها على فاتورة الدعم الإنساني، إن تعثر الأنشطة الحيوية للحماية، بما في ذلك مجموعات الحماية العامة والعنف القائم على النوع الاجتماعي (عبد الله قريضة 2024)، وإرجاع ذلك لنقص التمويل، يعد أمراً مؤسفاً ويعكس الحاجة الملحة إلى إعادة التفكير في حملات الدعم والمناصرة الأممية لصالح السودانيين، وهذا بدوره يتطلب ضمان حصول المجتمع المدني على الموارد الكافية للقيام بهذه المهمة الهامة، إن الدبلوماسية الإنسانية، بما في ذلك ضمان وفاء الأطراف بتعهداتها المالية، تعد ضرورية لدعم التوطين، فهو ليس مجرد قضية تشغيلية، بل يحمل أهمية سياسية كبيرة، حيث يمنح الكيانات الوطنية، مثل المستجيبين المحليين، الشرعية والمشروعية في أداء دورهم الحيوي، وقد منحت شرعية إنقاذ الأرواح التي اضطلع بها المستجيبون المحليون ومعظمهم شباب، خلال الحرب تعاوناً ودعماً أساسيين لمواصلة مهامهم الإنسانية، والتي تشكل اليوم حائط الصد الأخير أمام الانهيار الاجتماعي، ويجب أن يتم ترجمة الالتزام به من خلال إنشاء صندوق وطني مؤقت لدعم عملياته، ومن المأمول أن يعمل على بناء قدرات المستجيبين المحليين، بما في ذلك القيادات المحلية، غرف الطوارئ، لجان المقاومة، مجموعات الحماية النسوية، وشبكات الرعاية المختلفة.
- مخرجات الحوار الشبابي شبابي: دعى برلمان الشباب- السودان في ديسمبر 2024، لحوار شبابي شبابي لتبادل المعلومات والمواقف المفضية لفتح الطريق امام استقرارالحياة الطبيعية للسكان وصولاً لسلام عادل، من خلال محادثات علنية أطرافها قادة الرأي والفكر الشباب بمختلف إتجاهاتهم العسكرية والسياسية، كما دفع البرلمان ببرقيات لكل القوى السياسية والمدنية والعسكرية والفئوية والأهلية..الخ لمشاركة رؤها متضمنة الإحداثيات السياسية والفنية للحوار المنشود، ونتج عن كل ذلك خارطة طريق تعتبر راية مضيئة في عتمة الحرب وإنسداد الأفق، لا سيما إستمرار منطق العمليات العسكرية والتنافس السياسي كخيار أمر واقع، ويؤكد البرلمان في مخرجاته على تبنى نهج تعاوني بين كافة أصحاب المصلحة بالداخل والخارج لتحقيق الأهداف المعنلة للحوار (بناء إتساق سياسي) وخارطة الطريق، وهي:
- تتمة الحوار الشبابي شبابي، دعوة التكنوقراط الشباب لتعبئة الجهود المحلية والدولية لخارطة الطريق، بما في ذلك خطة اليوم التالي.
- مؤتمر تضامن، يجمع قادة الرأي والفكر مع أصدقاء السودان لوضع خطة لليوم التالي، تعزز من جهود الإستجابة الإنسانية وتبتدر عملية الإعمار.. الخ.
- حوار سوداني سوداني، يجمع الأطراف العسكرية والقوى المنظمة لبدء فترة طوارئ بترتيبات دستورية مؤقتة.
- حوار قاعدي، يجمع قادة المجتمعات المحلية بأطراف الحوار السوداني سوداني لوضع دستور دائم للبلاد، وتشكيل سلطة ومجلس تشريعي إنتقاليين، كما يحدد شكل ومواقيت العملية الإنتخابية.
- مبادرة مجلس الآمن: صدر قرار مجلس الأمن بالرقم 2736: 2024 وطلب من الأمين العام أن يقدم توصيات لحماية المدنيين، بالتشاور مع السلطات السودانية الإقليمية صاحبة المصلحة، بالإستناد الى آليات الوساطة والمساعي الحميدة القائمة، وهذا من شأنه أن يقدم تعريف جديد للأزمة محوره الإنسان، ومن المهم تطوريها بصورة تجعلها قابلة للتنفيذ، ومتقاربة مع أولويات المجتمعات المحلية، مما يعزز من فرص نجاح أي خطة تنفيذية ويضمن أن تكون الحلول ذات طابع محلي يُراعي الواقع الاجتماعي والسياسي.
9| مستقبلات وماضي السودان:
- سناريوهات: أ) مواصلة القفز بالظلام: التمادي في تعريف الأزمة على أنها صراع حول الشرعية والنفوذ، وصولاً إلى اتفاق قسمة السلطة والثروة الشبيه باتفاق 2005 الذي أدى في النهاية إلى تقسيم البلاد وسوء الأوضاع الإنسانية على المدى المتوسط ويعيد إنتاج الأزمة، ب) التجاهل المكلف: استمرار العمليات العسكرية وبروز مراكز قوى جديدة، بما في ذلك انخراط أطراف محايدة في الحرب الحالية وتشكيل تحالف جديد فيما بينها للقضاء على أحد الأطراف الحالية، مما يؤدي إلى تعميق الأزمة الإنسانية والإجتماعية لمستويات غير مسبوقة ويعيد تجربة نظام 30 يونيو 1989، بكل ويلاتها وأزماتها، بما في ذلك التوسع في الفظائع الجماعية، ج) الإنفتاح المدروس: تواضع الأطراف المحلية والدولية على تعريف موضوعي للأزمة الحالية محوره أولويات المجتمعات المحلية والمصالح المشتركة، ما يفتح الباب أمام نفاذ المساعدات وعمليات الإعمار، بما في ذلك الانتقال، وهذا ما يتبناه برلمان الشباب – السودان.
- دروس مستفادة: إن القدرة على الصمود لا تقتصر على البنية المادية (المجلس العلمي الدولي 2023)، بل تمتد إلى النظم الاجتماعية والاقتصادية، ولقد كانت العشرون شهراً الأخيرة بمثابة تذكير قاسٍ على أن الاستثمار في بناء القدرة المحلية لا غنى عنه لبناء مجتمعات آمنة وفعّالة ومكتفية ذاتياً، وهنا يصبح التقاطع بين الدعم الدولي ودعم الأصدقاء والتوطين المحلي أمراً بالغ الأهمية، وشكّل استحقاق المواطنة تحدياً كبيراً وغير محسوم، فيما شكّل التباعد النفسي داخل الطبقة السياسية عنواناً دائماً للتفاعلات السياسية والعسكرية (موجز مخرجات حملة الحوار الشبابي، ديسمبر 2024)، قد كان التباعد النفسي وتباعد الأجندة داخل الطبقة السياسية بمثابة إنهاء للسياسة كمحور للعمل المشترك في هذا البلد؛ وكان مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية 1995 محاولة جادة لردم الهوة الداخلية للطبقة السياسية، والتصدي الوطني للقضايا التأسيسية، لكن التفاعل الجيوسياسي لم يكن حليفاً للتجمع الوطني الديمقراطي، درة تاج تحالفات الطبقة السياسية بعد ثورة أبريل/مارس، وبالمثل تعثرت المحاولة الثانية (اتفاقية السلام الشامل 2005)، لغلبة الأجندة الخارجية على الأشواق الداخلية، إن أي استعادة مقترحة للسياسة المدنية الديمقراطية يجب أن تمر عبر محطة فحص أعظم انتصارات وهزائم ومحاولات السودانيين وأصدقائهم المتكررة لاستعادة الممارسة السياسية منزوعة العنف، وإعادة ربط الوطن بمحيطه الإقليمي، كما يجب أن تدمج المقترحات بين أجندة الداخل والخارج، بما يضمن ولادة وغايات وبيئة متماسكة وحاصلة على معظم الدعم الممكن.
10| دعوة للعمل: بهذه الإحاطة الطارئة يقدم برلمان الشباب- السودان دعوة للعمل الجاد الموضوعي، بدء بالتواضع على تعريف للأزمة متسق مع السياق الحالي، وينطلق من قرار مجلس الآمن (2736)، على أن يتم إستئناف تفعيل الأهداف الإستراتجية (3،4) فوراً وعلى نطاق واسع بالتدخلات الحالية وتعظيمها، لا سيما الدعوة لمؤتمر تضامن والتحضير لعمليات الإعمار، ومن الضروري تعزيز الإعتراف والإلتزام بإتفاق جدة (مايو 2024) بأليات مزدوجة يقودها المجتمع المدني، والشروع العاجل بهدنة طويلة الأمد تتخللها عملية سياسية ناضجة؛ تتقارب مع أولويات المجتمعات المحلية ومستجيبة للتقاطعات الجيوسياسية، ويتم من خلالها إستعادة الحياة الطبيعية، وصولاً لسلام عادل.
11| للتواصل مع الأمانة العامة:
- منذر مصطفى- الامين العام
تـ (واتساب): +249999199945، Secretariat@youthparliamentsudan.org
- الفاتح النور- المقرر
تـ (وتساب): +249922807586، coordinator@youthparliamentsudan.org
- عبد الله قريضة- رئيس لجنة البحوث والتدريب
تـ (وتساب): +249127906399، training.studies@youthparliamentsudan.org