يحتفي العالم اليوم باليوم الدولي للقاضيات، والذي يصادف 10 مارس 2025، وهي مناسبة تسلط الضوء على الدور الحيوي للمرأة في النظام القضائي، وأهمية تعزيز مشاركتها لضمان عدالة أكثر شمولاً وإنصافاً. ولقد ظل السودان طيلة تاريخية يعاني من خلل عميق في موازين العدالة، وتواجه النساء تحديات جذرية تعيق وصولهن إلى مواقع صنع القرار في الجهاز القضائي، وعلى الرغم من الدور المحوري الذي تلعبه القاضيات في إعلاء العدالة وتعزيز سيادة القانون، إلا أن فرص المرأة السودانية في الوصول إلى المناصب القضائية الرفيعة ضئيلة بسبب هيمنة النظام الذكوري داخل مؤسسات الدولة وغياب الإرادة السياسية الحقيقية لإصلاح القضاء ليكون أكثر تمثيلا للمجتمع بكافة مكوناته.
وعلى الرغم من التقدم المحرز عالمياً في مجال المساواة بين الجنسين، لا يزال السودان يظهِر تمييزاً منهجياً ضد القاضيات تحد من تقدمهن داخل السلك القضائي، فبينما تنص القوانين على المساواة، فإن الواقع العملي يكشف ان هنالك إقصاء واضح للمرأة من الدوائر القضائية المؤثرة، حيث لا تزال المناصب القيادية في السلطة القضائية، مثل رئيس القضاء ورؤساء المحاكم العليا حكراً على الرجال، كما تواجه القاضيات عراقيل في الحصول على الترقيات مقارنة بزملائهن الرجال، بسبب سيطرة الذهنية الذكورية على آليات اتخاذ القرار في السلطة القضائية، فضلاً عن الترويج الشائع من قبل بعض الايدلوجيات لفكرة أن القضاء مجال غير مناسب للنساء، وسط المجتمع مما يكرس النظرة الدونية لدور القاضيات ويحد من فرص تمكينهن، علاوة على ذلك، تعمل الإيديولوجيات المحافظة بنشاط على الترويج لفكرة مفادها أن القضاء مجال غير مناسب للنساء، مما يعزز تصورا مجتمعيا يقوض القاضيات ويقيد فرصهن، بالإضافة الى ان النساء في القضاء يعاننن من نقص السياسات الداعمة التي تمكنهن من التقدم، مثل الوصول إلى برامج التدريب والتطوير المهني وبيئة عمل آمنة خالية من التمييز والتحرش.
إن غياب المرأة عن مواقع اتخاذ القرار في السلطة القضائية يؤدي إلى اختلال ميزان العدالة، حيث لا تتم معالجة قضايا النساء بفعالية كافية، خاصة تلك المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، وحقوق المرأة في الأسرة والعمل والمجتمع، مما يؤدي الى ضعف الاستجابة لقضايا النساء داخل المحاكم، حيث يتم التعامل معها من منظور ذكوري يفتقر إلى الحساسية المطلوبة. إن الافتقار إلى السياسات القضائية المستجيبة للنوع الاجتماعي يؤدي إلى إدامة التمييز القانوني ضد المرأة وتآكل الثقة في القضاء كآلية للعدالة، ونتيجة لذلك، تلجأ العديد من النساء إلى البحث عن بدائل خارج الأطر القانونية الرسمية. إن تمكين المرأة في القضاء لا يعزز نزاهة النظام القضائي فحسب، بل يعزز أيضًا مبادئ الشفافية والمساءلة، ويسهم في بناء مؤسسات قضائية أكثر تمثيلًا وشرعية للمجتمع.
إننا في المركز النوبي للسلام والديمقراطية، نؤكد على الحاجة الملحة إلى إصلاحات شاملة لضمان التمثيل العادل للمرأة في في الجهاز القضائي بصورة عادلة، وتطوير سياسات داعمة لإدماج المرأة في جميع مستويات السلطة القضائية، مع التركيز على إزالة العوائق التي تحول دون وصول القاضيات إلى المناصب العليا، كما ندعو إلى تكثيف الجهود لضمان بيئة عمل قضائية عادلة ومتساوية، خالية من التمييز، تتيح للمرأة ممارسة دورها الكامل في تحقيق العدالة.
إن تحقيق العدالة في السودان يستلزم إحداث تغيير جذري في بنية السلطة القضائية، بحيث تعكس مؤسساته تنوع المجتمع وتكون أكثر تمثيلًا لاحتياجاته، وفي هذه المناسبة، ندعو جميع الجهات الفاعلة، من مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني، والهيئات الحقوقية، إلى العمل المشترك لتعزيز تمثيل المرأة في القضاء، وضمان أن تكون الأنظمة العدلية أكثر شمولًا وإنصافًا للجميع.
المركز النوبي للسلام والديمقراطية
10/3/2025.